اضطرابات الهضم عند الأطفال: نظرة علمية شاملة، وحديثة
تمثل اضطرابات الجهاز الهضمي عند الأطفال مجموعة من المشكلات الصحية، التي قد تؤثر على جودة حياتهم، بما في ذلك النمو الجسدي، والعقلي. وتتنوع الاضطرابات بين الحالات البسيطة، مثل: الإمساك والارتجاع المعدي المريئي، إلى مشكلات أكثر خطورة، مثل: مرض السيلياك، والتهابات الأمعاء المزمنة كمرض كرون الشهير. ولفهم هذه الاضطرابات لابد من التحدث أولا بشكل مبسط عن معنى كلمة الهضم؛ على الرغم من أنها كلمة واحدة، إلا أنها تشمل مجموعة من العمليات الدقيقة، والمتناسقة.
الهضم هو: العملية التي يحول بها جسمنا الطعام إلى عناصر غذائية، يمكنه استخدامها للطاقة، النمو، وإصلاح الخلايا. يحدث هذا في الجهاز الهضمي من خلال خطوات بسيطة، ومنظمة، تبدأ من الفم، وتنتهي بالإخراج. في الفم تكون البداية بمضغ الطعام، ومزجه باللعاب الذي يحتوي على إنزيم يساعد في تحليل النشويات، (مثل: الخبز، والمعكرونة) إلى سكريات بسيطة. ثم يقوم اللسان بدفع الطعام نحو الحلق، ليبدأ رحلته في الجهاز الهضمي.
يتحرك الطعام من الحلق إلى المعدة عبر المريء، وهو أنبوب عضلي. وبحركته الدودية (انقباض العضلات بشكل موجي) تدفع الطعام إلى الأسفل.
ليصل إلى المعدة حيث تفرز حمض الهيدروكلوريك وإنزيم الببسين، مما يساعد على تحليل البروتينات (مثل اللحوم، والبيض).
ثم يتم خلط الطعام مع العصارات الهضمية؛ لتكوين ما يُسمى بـ” الكيموس”، وهو مزيج سائل يسهل هضمه. يدخل الكيموس إلى الأمعاء الدقيقة، حيث يحدث الهضم الرئيسي، تقوم الكبد، والمرارة بفرز العصارة الصفراوية التي تساعد على هضم الدهون. ويقوم البنكرياس بإفراز إنزيمات لتحليل الكربوهيدرات، البروتينات، والدهون. تتميز الأمعاء الدقيقة بالزُغابات المعوية، وهي هياكل صغيرة تشبه الأصابع في الأمعاء الدقيقة، تمتص العناصر الغذائية (مثل: السكريات، والأحماض الأمينية، والفيتامينات)، وتنقلها إلى الدم. ما يتبقى من الطعام (الألياف، والبقايا غير المهضومة) ينتقل إلى الأمعاء الغليظة. حيث يتم امتصاص الماء من الفضلات، وتصنع البكتيريا النافعة هناك بعض الفيتامينات التي تساعد في الهضم. يتم التخلص من الفضلات عبر فتحة الشرج كعملية طبيعية لإكمال الدورة.
بعد فهمنا لعملية الهضم سنتحدث الآن عن مزيج من الفهم الطبي لاضطرابات الجهاز الهضمي وتحديد الأسباب، وأفضل سبل العلاج.
اضطرابات الجهاز الهضمي الشائعة عند الأطفال
- الإمساك: يتمثل في صعوبة تمرير البراز، أو تقليل عدد مرات التبرز عن المعتاد. ومن أهم الأسباب نقص الألياف الغذائية، وقلة شرب السوائل، بالإضافة الى تغييرات في الروتين الغذائي، أو النفسي. وتشير الدراسات إلى أن الإمساك يصيب نحو 10-20% من الأطفال في مراحل عمرية مختلفة.
- الارتجاع المعدي المريئي (GERD): ارتجاع محتويات المعدة إلى المريء بشكل متكرر. ومن الأعراض التقيؤ، صعوبة البلع، السعال المزمن. ويمكن علاجه بتعديل نمط الحياة، مثل: رفع رأس السرير أثناء النوم وفي الحالات الشديدة، يمكن اللجوء إلى الأدوية المثبطة؛ لإفراز الحمض.
- الإسهال الحاد، والمزمن: الحاد: غالبًا ما يكون نتيجة عدوى فيروسية، أو بكتيرية. أما الإسهال المزمن: قد يرتبط بمشكلات مثل: سوء الامتصاص، أو التهابات الأمعاء. ويعد الإسهال السبب الرئيسي لوفاة الأطفال دون سن الخامسة عالميًا، ويُقدّر أنه يؤدي إلى وفاة 525,000 طفل سنويًا.
- مرض السيلياك (Celiac Disease) وهو اضطراب مناعي، ذاتي، ناتج عن تناول الجلوتين. وهناك أكثر من مئة عرض عن هذا المرض ومن أهمها: إسهال مزمن، ونقص الوزن مع بطء النمو. ويكون العلاج باتباع نظام غذائي خالٍ من الغلوتين مدى الحياة.
أسباب اضطرابات الهضم عند الأطفال
- العوامل الغذائية: كنقص الألياف، أو المغذيات الأساسية، وتناول الأطعمة المصنعة، أو الدهنية بكثرة.
- العوامل البيئية: سوء النظافة، أو التلوث، والتعرض المبكر للمضادات الحيوية.
- العوامل النفسية: مثل: القلق، أو التوتر، واضطرابات النوم.
- الأسباب المرضية: العدوى البكتيرية، أو الفيروسية، والأمراض الوراثية، مثل: التليف الكيسي.
التشخيص
- التاريخ الطبي: يلعب دورًا أساسيًا في تحديد نوع الاضطراب.
- الفحوصات المخبرية: مثل: اختبارات الحساسية الغذائية، وتحليل البراز.
- لتصوير الطبي: الأشعة السينية، أو التنظير الداخلي لتشخيص الحالات الأكثر تعقيدًا.
الأساليب العلاجية
- العلاج الغذائي: كزيادة استهلاك الألياف، وتشجيع شرب السوائل، وتجنب المحفزات المسببة للاضطرابات.
- الأدوية: المسهلات لعلاج الإمساك، والمضادات الحيوية، لعلاج العدوى البكتيرية.
- العلاج النفسي: كتحسين الحالة النفسية لدى الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نفسية مرتبطة بالجهاز الهضمي.
- التدخل الجراحي: ويكون في حالات محدودة، مثل: انسداد الأمعاء، أو حالات GERD الشديدة.
الوقاية
- التطعيمات: لحماية الأطفال من الفيروسات مثل: الروتا فيروس.
- التغذية المتوازنة: تشمل الألياف، والبروتينات، والفيتامينات.
- تعزيز النظافة الشخصية: غسل اليدين قبل الأكل وبعده.
نصائح لتحسين عملية الهضم عند الأطفال
- التغذية السليمة: تقديم وجبات متوازنة تحتوي على الفيتامينات، والمعادن، وتجنب الأطعمة الدهنية، أو المصنعة.
- شرب السوائل: الحفاظ على ترطيب الجسم بشرب الماء في انتظام.
- النشاط البدني: تعزيز حركة الأمعاء، ومنع الإمساك.
- الوقاية من العدوى: الحرص على النظافة الشخصية، وغسل اليدين.
- متابعة طبية دورية: خاصة عند ظهور أعراض غير طبيعية، مثل: القيء المستمر، أو فقدان الوزن.
أحدث التطورات في علاجات اضطرابات الهضم عند الأطفال:
اضطرابات الجهاز الهضمي لدى الأطفال تمثل تحديًا كبيرًا للآباء، والأطباء، حيث تتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا متخصصًا. ومع التطور الطبي المستمر، ظهرت تقنيات، وعلاجات مبتكرة؛ لتحسين النتائج الصحية للأطفال. وفيما يأتي أبرز التطورات الحديثة:
- العلاجات المستهدفة باستخدام الميكروبيوم
أظهرت الأبحاث أن العلاجات القائمة على تعديل الميكروبيوم، مثل: العلاج بنقل الميكروبيوم، يمكن أن تحسن الأعراض المرتبطة بالجهاز الهضمي لدى الأطفال، خاصة المصابين بالتوحد. يتم هذا العلاج عن طريق نقل ميكروبيوم صحي إلى الأطفال، مما يساهم في تحسين التوازن البكتيري في الأمعاء. وقد أظهرت نتائج التجارب السريرية تحسنًا بنسبة تصل إلى 59% في الأعراض الهضمية خلال سنتين بعد العلاج.
- العلاج بالخلايا الجذعية
في حالات اضطرابات الحركة المعوية، مثل مرض انغلاق الأمعاء المزمن، يتم اختبار الخلايا الجذعية لاستعادة وظائف الجهاز الهضمي. تُظهر هذه التقنية نتائج واعدة، حيث يمكن للخلايا الجذعية أن تساهم في إصلاح أنسجة الجهاز الهضمي وتحسين الحركة المعوية بشكل فعال.
- العلاج باستخدام تقنيات التنظير المتقدمة
التنظير باستخدام تقنيات حديثة، مثل: التصوير الطيفي (FICE)، أو التصوير بالصبغات الملونة (Chromoendoscopy)، وقد أصبح أداة فعالة للكشف المبكر عن التغيرات المرضية في الجهاز الهضمي لدى الأطفال. تساعد هذه التقنية في تحسين دقة التشخيص، وتقليل الحاجة إلى إجراءات جراحية.
- استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص
يتم دمج الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الأطفال؛ لتحديد الأنماط المرضية المعقدة في اضطرابات الهضم. هذا يساعد في تقديم خطط علاجية مخصصة بسرعة، ودقة أعلى.
- هل تساعد التغذية الجيدة في علاج اضطرابات الجهاز الهضمي:
تُعد التغذية المتوازنة أساساً لصحة الجهاز الهضمي، حيث يمكن لبعض الأطعمة تحسين عملية الهضم، تعزيز صحة الأمعاء، والوقاية من الاضطرابات الهضمية، مثل: الإمساك أو الالتهاب. وفيما يأتي قائمة بالأغذية التي أثبتت الدراسات فوائدها للجهاز الهضمي:
- الألياف الغذائية
المصادر:
- الفواكه: التفاح، الكمثرى، التوت.
- الخضروات: البروكلي، السبانخ، والجزر.
- الحبوب الكاملة: الشوفان، الأرز البني، والكينوا.
الفوائد:
- الألياف القابلة للذوبان تُغذي البكتيريا النافعة في الأمعاء، وتعزز صحة الميكروبيوم.
- الألياف غير القابلة للذوبان تساعد على تحسين حركة الأمعاء، وتخفيف الإمساك.
- البروبيوتيك (البكتيريا النافعة)
المصادر:
الأطعمة المخمرة: الزبادي، الملفوف المخلل.
الفوائد: تعيد التوازن البكتيري في الأمعاء، وتُستخدم لعلاج اضطرابات مثل: متلازمة القولون العصبي والإسهال الناجم عن المضادات الحيوية.
- البريبايوتيك
المصادر:
- الأطعمة الغنية بالإنولين: مثل: الثوم، البصل، والموز الأخضر.
- الحبوب الكاملة: الشعير، والشوفان.
الفوائد: تُحفز نمو البكتيريا النافعة، وتُحسن امتصاص المعادن، مثل: الكالسيوم، والمغنيسيوم
- الدهون الصحية
المصادر:
- أوميغا-3: في السمك الدهني (السلمون، السردين)، بذور الكتان، والجوز.
- الدهون الأحادية غير المشبعة: زيت الزيتون والأفوكادو.
الفوائد: تقلل الالتهابات في الأمعاء، وتُحسن صحة بطانة الجهاز الهضمي.
- الأطعمة الغنية بالماء
المصادر: الخيار، البطيخ، الكرفس.
الفوائد: تساعد في الوقاية من الإمساك من خلال ترطيب القناة الهضمية.
- الأعشاب، والتوابل المضادة للالتهاب
المصادر:
- الزنجبيل: يُستخدم لتخفيف الغثيان، وتحسين الهضم.
- الكركم: يحتوي على الكركومين الذي يقلل من التهابات الأمعاء.
- النعناع: يُحسن حركة الأمعاء، ويخفف الانتفاخ.
- الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة
المصادر:
التوت الأزرق، الرمان، والشاي الأخضر.
الفوائد: تحمي خلايا بطانة الجهاز الهضمي من التلف، وتُقلل من خطر الإصابة بالتهابات الأمعاء.
- الأطعمة المخمرة ذات الإنزيمات الطبيعية
المصادر:
- البابايا (غنية بإنزيم الباباين).
- الأناناس (يحتوي على البروميلين).
الفوائد: تُساعد في تحسين هضم البروتينات، وتقليل اضطرابات المعدة.
- المشروبات المفيدة
المصادر:
- شاي الأعشاب: شاي الزنجبيل، أو النعناع.
- ماء الليمون: يُحفز إنتاج العصارات الهضمية.
الفوائد: تُحسن عملية الهضم، وتخفف الغازات، والانتفاخ.
وفي الختام أود أنأن أذكر أنأنّ التقدم في مجال اضطرابات الهضم لدى الأطفال يشهد طفرة هائلة بفضل التقنيات الحديثة، والعلاجات المبتكرة، ومن المتوقع أن تعزز هذه التطورات جودة حياة الأطفال المصابين وتخفف العبء على أسرهم.